قطيع الخراف
جرعاتُ سمّ نحو الموت
الكاتب:
جيهان دايخ
دعوني اخبركم كيف تتم عملية تحويلنا من مجتمع بشري إلى
قطيع خراف!
هل سبق وأن شدتكم إحدى العناوين في مستهل النشرة الإخبارية،
فانتظرتم سماع التفاصيل بفارغ الصبر؟
هل سبق وأن شدّكم إعلان مثير للدهشة والاستغراب لبرنامج
ترفيهي، فانتظرتم أسبوعاَ كاملاَ لمشاهدته؟
هل أنتم ممن يقاطعون إذاعة تلفزيونية أو صحيفة لأنها
تعارض توجهاتكم السياسية؟؟؟
أقمتم بشراء منتجٍ عُرِضَ على التلفاز مئات المرات فقط
لأنه (عرض على التلفاز)؟؟؟
هل سبق وأن لاحظتم أنّ وقتكم قد هُدر على برنامج لا يمت
إلى الثقافة بصلة؟؟
هل قمتم في إحدى
المرات بتأجيل عمل ما أو إلغاء زيارة ما من أجل مسلسل تركي لا نهاية له؟؟
ألم تحقدوا قبلاً على واقعكم بعد مشاهدة سلسلة تلفزيون
الواقع لأغنى المشاهير "the
kardashians" أو نسخته العربية "أخوات خوات"؟
إن كان جوابكم على معظم الأسئلة هو "نعم"..
فأهلا بكم في القطيع !!!
مع كل نشرة إخبارية, وكل برنامج ترفيهي وكل أغنية هابطة
تأتي جرعاتٌ صغيرة من السم، تُحقن به عقولنا، فتزيد نسبة "خرفنتنا".
يحتوي السم المرفق مع الإعلام على التالي:
جرعة لمقط الواقع، جرعة اكتئاب، جرعة تحفيز على السدومية
والفحشاء، والحصة الأكبر لجرعة "كونوا كالغرب منفتحين وذوي كرامات
معدومة"!
نحن موهومون بأننا نملك حرية الاختيار لمشاهدة ما شئنا،
بينما في الواقع، هم يحدّدون تلك الاختيارات لتصب جميعها في مجرى أو
"مجاري" مصلحتهم! كمن حكم عليه بالإعدام، وله حق اختيار طريقة الموت،
شنقًا أو رميًا بالرصاص!!
تطلّ مذيعات الأخبار على التلفاز بكامل أناقتهن و"بلاستيكيتهن"
وماكياجهن، ليزفنّ لنا أخبار الفساد والقتل والموتى والسرقة والحروب والبغضاء والكوارث
الطبيعية والبشرية والسياسات العقيمة، ويختمون النشرة بابتسامة عريضة متمنّينَ لنا
بقية يوم سعيد أو نومًا هانئًا!
نعم شكراَ! فبعد سماعكم سننعم بأحلام وردية! أنا لست ضد معرفة ما يجري ومتابعة الخبر، لكني
أقف ضد تبهير التفاصيل وتعظيمها! لست ضد ابتسامة المذيعة أو المذيع، لكني ضد
المبالغة في مدها! لست ضد مشاهدة التلفاز، لكني ضد تصديق كل ما يدور فيه!
هل تعلمون أن عملية التنويم المغنطيسي لا تنفع مع من لا
يؤمن بها؟ هل يعقل أن يكون نصف شعبنا إن لم نقل أكثر، منومًا مغنطيسيًا؟
لقد تعوّدنا الكذب والمراوغة حتى في نشرات الأخبار! وغرست
براثن الفساد في عمق أفكارنا.. اغتٌصبت شعائرنا، وانتهكت حرمة خصوصياتنا، وبتنا
نسعى كالخرفان لمتابعة غرب يهوى دمارنا وإبادتنا!!!
الكلّ شريكٌ في لعبة الشيطان التي طالت عقولنا! تعوّدنا
على أخبار الموت والقتل أو بالأحرى، "عودونا" أن نحتسي قهوتنا الصباحية
بنكهة الموت والحروب.
أستغرب أحيانًا، كيف استعطت أن أنجوَ من المنيّة كل هذه
السنين، كيف سنَحَت لي الحياة أن أبقى على قيدها، على الرغم من أن كل ما حولي
قاتل!! حتى الأرض التي يُفترض أن تكون مباركة لا تشبع من ابتلاع الأجساد. والسماء
لا تشبع من امتصاص الأرواح!!
صار الأمان في ذمة الله... وصارت أحاديثنا بحدّة الخناجر
التي تُستخدم لفصل الرؤوس عن الأجساد! لم يترك الإعلام "طابق مستور" فهو
يهوى الفضيحة!! وكلّ اكتئابنا وحزننا هو برعايته.!
الموت يحيطنا... وبالموت لا أعني فقط طلوع الروح من
الجسد، فللموت أشكال كثيرة: كطلوع الرحمة من القلب، وطلوع الضمير من الوجدان وطلوع
البصيرة من العقل وطلوع الإنسانية من الانسان!
آسفة حقاً فأنا لم أقصد إثارة الهلع في نفوسكم لكني فقط أسلط الضوء على ما يميتكم في اليوم آلاف المرات! كما وأحاول إيقاف دمعي الهامع جرّاء ما حولي، وأساهم في استئصال نقيف الفساد من جذوره، كي لا يطالنا نكال الله والقدر، وأنا لا أستثني نفسي من قطيع الخرفان، لكنني خروف ثائر، أسود، في قطيعٍ خرافُه بيضاء!
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.