تسعون عامًا من الديقراطية
أين
هو لبنان اليوم
العميد
الركن المتقاعد فوزي فوزي:
استقلال
الوطن بمعناه الحقيقي هو ثمرة سواعد بنيهِ ودماءُ شهدائهِ الأوفياء لترابه
حوار: مريم شعيب
رغبةً
في استكمال أسباب الحكم الديقراطي لوطننا العزيز، وإيمانًا بدور هذا الوطن في خدمة
السلام العالمي والحضارة الإنسانية. وسعيًا نحو مستقبلٍ أفضل ينعم فيه الوطن بمزيد
من الرفاهية والمكانة الدولية، ويفيء على المواطنين مزيدًا من الحرية السياسية
والمساواة والعدالة الاجتماعية، ويرسي دعائم ما جبلت عليه النفس اللبنانية من
اعتزازٍ بكرامةِ الفردِ، وحرصٍ على صالحِ الجماعةِ وشورى في الحكم مع الحفاظ على
وحدة الوطن واستقراره. تم التصديق على قرار انتخاب رئيسٍ للجمهورية متزامنًا مع
ذكرى استقلال لبنان، حيث سجلت هذه المناسبة نقطةَ تحوّلٍ مهمةٍ، في البلد الذي بات
يبحث في الفترة الماضية عن هويته، وتقرير مصيره، بعد شغورٍ رئاسيٍّ مطوّل.
تسعون
عامًا مَضَوا بعد إعلانِ "دولة لبنان الكبير" في العام 1926، وبعد أن أُدخِلَت
إلى قاموسِ لبنان السياسي كلمةُ "الديقراطية" التي كان البعض وما زال،
يرفضها.
تسعون
عامًا مرّوا علينا اليوم، من التجربة الديقراطية في لبنان، وهي تجربة جديرة
باستذكار التحدّيات التي واجهتها والأزمات التي تعرّضت لها، خاصة وأنها أوشكت أن
تمحوَ لبنانَ من على خارطة الوجود، لولا إرادة شعبه وتمسّكه بشرعيةِ وجودِه على
تلك الرقعة الصغيرة من الأرض.
إن
تزامن انتخابِ رئيسٍ للجمهوريةِ مع ذكرى استقلال لبنان، ينبيءُ أملاً بالوحدة
الوطنية في إطارِ تلقّي المواطن اللبناني للخبر والتعاطي معه، ومسؤوليةِ وسائل
الإعلام والمسؤولين عنها في صياغته ونقله بدقة وأمانة إلى المواطنين، قد بلغت درجةً
عاليةً أكدّت الميزة في ثقافتِنا السياسيةِ وفي تعاطينا للديمقراطية، وممارسة
الحرية مع احترام الغير وتقديم الرأي والخبر والتعليق والمناقشة بمستوىً عالٍ من
المسؤولية.
فالحريةُ
بحاجة إلى ضوابط قانونية تنظم حركة التعاطي معها والإفادة منها، ولا مفر من عودة
الانصهار ولكن هل تعود الصورة القديمة بكل تفاصيلها؟
وإذا
كان لبنان يولد من جديد كما يقال، فإنه يخرج من رحم الآلام والمآسي، ولا تعادل
مشاقُ ولادنه الجديدة إلاّ آلام وضعه في "الارتهان الدموي" لسنينَ من
الزمن، وفي حالتي الارتهان والولادة، تأتي إرادةُ الحياة دالة على كل لبنان، فماذا
ينتظر اللبنانيون بعد مخاضِ هذه الولادة الجديدة؟ إنهم ينتظرون لبنانهم الحلم علّه
يتحقق مع ذكرى الاستقلال...!
وبهذه المناسبة وفي ظل استحقاقٍ رئاسي جديد كان
لنا لقاء مع العميد الركن المتقاعد فوزي فوزي حول تجربته في السلك العسكري في
الجيش اللبناني خادمًا لوطنه، ونظرته حول وصول قائدٍ عسكري لسدة الرئاسة.
·
عن تجربته العسكرية والخبرة التي اكتسبتها
خلال خدمته الوطن في مؤسسة الجيش اللبناني، استهل كلامه بأنّ:
"الأوطان لا تصان إلاّ بسواعد
مواطنيها وولائهم وتضحياتهم والذود عن حدودها..." واصفًا ما دفعه للانخراط في
صفوف الجيش.
كانت الفكرة تراودني منذ كنت تلميذًا على مقاعد الدراسة.
متسائلاً من يحمي الوطن، ومن هم هؤلاء الرجال الأوفياء الذين يقومون ببذل الغالي
قبل الرخيص للذود عن ترابه، وكيف يمكنني مشاركتهم؟ تعمقت الفكرة وتشبّعت درسًا
وتكوّنت لديّ القناعة كاملةً بالانتساب للمدرسة الحربية للالتحاق بهؤلاء الشجعان،
ورسمت خطواتي واضعًا إياها موضع تنفيذ. تحت عنوان: الجيش عماد الوطن وعاموده
الفقري وبدونه نحيا بذل وهوان.
دخلت المدرسة الحربية قانعًا بأنها مدرسة الرجولة
والبطولة والتضحية والوفاء، مع مجموعة من أبناء وطني الأوفياء، قناعةً تامةً
للدفاع عن حياض الوطن.
كان أفراد المجموعة من مختلف المناطق اللبنانية، تجمعنا
لغةٌ واحدة وإيمانٌ واحد، بلهجاتٍ مختلفةٍ وبيئاتٍ لا تشبه الواحدةُ الأخرى، من
مذاهب مختلفة هدفنا الأوحد خدمة الوطن... وكان بيننا آنذاك القائد الحالي للجيش (العماد
جان قهوجي) ورئيس الأركان الأسبق (اللواء وليد سليمان).
بعد ثلاث سنوات من الداسة والتدريب تخرّجنا، جسمًا واحدًا
بلهجةٍ واحدةٍ، هدفٍ واحدٍ، فكرٍ واحدٍ مبنيٍّ على الشرف والتضحية والوفاء دفاعًا
عن الوطن".
·
ولخصّ تجربته في الجيش ببعضٍ من المحطّات التي
شارك فيها واعتبرها مهمة في حياته العسكرية قائلا":
"ثلاثون سنة ونيف ونحن نحوض غمار أحداث حلّت بلبنان
منذ الحرب الأهلية عام 1975 والأحداث التي تلتها والاجتياح الإسرائيلي للجنوب والاعتداءات
المتكرّرة. وهمنا الوحيد الحفاظ على بلدنا حرًّا مستقلاً سيدًا كريمًا...
فكرامة الأوطان تتلخص في استقلالها ولا يحافظ على استقلال
الأوطان إلاّ أبناؤها. وهكذا تنقلنا في خدمة الوطن من منظقة إلى أخرى، حتى عشنا
تجربة فريدة، فلكل منطقةٍ خصوصياتها الأمنية وطرق معالجتها التي تختلف باختلاف
طبيعة البشر والأرض والمفاهيم... فمعالجة المشاكل في الجنوب تختلف عنها في بقية
المناطق بسبب تواجد العدو الاسرائيلي الجاثم على حدوده، وتختلف معالجة المشاكل في
منطقة البقاع عن غيرها بسبب طبيعة الأرض والطقس والحرمان الذي يعيشه أبناوها. لكن المعالجات
كانت دائمًا تصبّ في خانة حماية الوطن والذود عن أرضه وأهله ومياهه.
خضتُ تجربةً رائدةً كضابط ارتباط مع القوات المتعدّدة
الجنسيات وتحديدًا البريطانية (Brit
For Leb)، خلال العامين 1983 و 1984، التي كانت تقوم بدورياتها في العاصمة
بيروت ومحيطها لإرسال التقارير عن الوضع الأمني للمناطق، وكان لي شرف الانتقال
معهم بدورياتهم بغية إرسال التقارير الصحيحة لبلدهم لمساعدة لبنان على تخطي أزماته
ومشاكله الداخلية والخارجية.
وتجربة أخرى لا تقلّ أهمية عن سابقتها، حيث كانت خدمتي
كضابط ارتباط في الجنوب اللبناني مع القوات الدولية لمدّة خمس سنوات، قمت خلالها بواجبي
على أتم وجه مساعدًا بحلّ المشاكل الجنوبية خاصة في مواجهة العدو الإسرائيلي،
ومساعدة هذه القوات في إرسال تقاريرها الصحيحة حول الانتهاكات الإسرائيلية لجنوبنا
اللبناني، وأبرزها خلال مجزرة قانا التي كانت محصلتها 110 شهيدًا عام 1996. كانت خدمتي
حينها في جهاز الارتباط اللبناني، مكان وقوعها قرب مركز الكتيبة الفيجية.
لم نفرّق خلال خدمتنا بين المناطق اللبنانية، يقودنا هم
الحفاظ على الأمن والإستقرار.
واستقلال الوطن بمعناه الحقيقي هو ثمرة سواعد بنيهِ
ودماءُ شهدائهِ الأوفياء لترابه، وهذا سبب تقدم لبنان وشعبه بين بلدان العالم، وكل
سنة ولبنان سيدًا، حرًّا، مستقرًّأ، آمنًا ومستقلاً.
·
وحول نظرته للبنان الغد، بتسلم قائدٍ عسكري
رئاسة الجمهورية يرى أن:
"الاستقلال كرامة الشعب
وحريته، فالجيش اللبناني منذ الاستقلال ركيزة هذا الوطن خلاصته، وعاموده الفقري، بعناصره
وضباطه مختلفي المناطق، خرّيجي مدرسة البطولة والكرامة والشرف والتضحية والوفاء،...
حاملي فكر الولاء للوطن وخدمته. فيكون قادته بمعظمهم أهل لقيادته وأخذه نحو شاطئ
الأمان لوضوح الرؤيا عندهم... إذ يندر عند المدنيين توافر الفكر الجامع للعمل
المتوازن على صعيد قيادة وطن من قبل أحدهم بسبب تزاحم الولاءات الداخلية والخارجية
في بلدنا.
لذا
كان لا بدّ لنضوج الوطن أن يتبوأ قائد عسكري منصب رئاسة الجمهورية بغض النظر عن
شخص هذا القائد، طالما يحمل ولاءً صادقًا لوطنه. مع إمكانية وجود استثناءات
لأفضلية تولي رئاسة الوطن من قبل مدني تتوفر فيه صفات الشخص المتميّز بنظافة الكف
وصحة الضمير والتوازن العقلي في حل قضاياه وإدارة شؤونه، وهذا ما يصعب توافره في
مجتمعنا الحالي.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.