حين يغني الحزن...
ضحكات لما تزل بين الحقيقة
والخيال.
الكاتب: الشاعر أحمد وهبي
ساعة حزنٍ وغضبٍ ترتفع اﻷكفُّ
والعيون، تنداح الزهور حول قبورِ المدامع، يغني الحزنُ أسماءَنا إثر كل فجيعة، ثم يتلاشى
وتتلاشى أسماؤنا حتى امِّحاءِ السطور في اﻷسطورة، والذكرى كمديات جارحة تهبنا كل حين
نافذةً على المعنى، ربما كي يكتمل كتابُ كلٍّ منا. ويومٌ بسنين في العمر اكتمل والبدر،
أو جملة تجدف لحملة بما ﻻ يرد، ﻻ يبدل، ﻻ يعد... فقد أجهض التمسرح أقوامًا بعينها،
وانكسر الصدق والتصادق بدمعةٍ أُفلتت بين جبهاتِ القتال، وعلى جبينِ الحالِ وداعاتِ
استغفارٍ لنهاراتٍ ثلاث وليالي. وكلُّ ما انطلق من صورٍ وأرقام فلكية مجرد تقطيع وقت
مستوحى من سلطات هوليوودية، وناس البحر هجر لتناقض عمارات السمنت، تتزايد فيها عشوائيات
اللحم، تنتقل من سوسولوجيا القبيلة إلى مرادفاتها في اﻷكل والعمل، تجمل ديمقراطيتها
بملح وسكر، برداءاتٍ مختلفةٍ لناحبٍ واحد وحيد... وما بين الصلاة وصلاة صلة وصل لكامب
ديفيد ووادي عربة واتفاق أوسلو، مسمياتٌ واحدةٌ لصكِّ استسلامٍ على طاولة الغفران.
ﻻ أسلو ولي أن أتعب مثل كل الناس،
أن أشتم، أن أبكي وأضحك حتى السخرية. حاﻻتُ تضافرٍ ترينا مجتمعاتِنا ما قبل الدولة،
والفصل الجندري عمليات تتوّج على الدوام بفرمانات عليا. فقد صادر التوحش مجتمعات الحداثة،
وراح بحجم طلقات جحيمية يسدّد على رأس الحكمة.
هي فصول الجحيم بأم العين. في
عين الوقت أسماء تتقمص فصولها، والمستفسر بنظارات سوداء كبيرة، كان في منتهى السعادة،
هل ﻷنه ضخم المنصب وقد فتح النار على المرح فأردى حقوﻻً وبساتين وملاعب، ضحكات لمّا
تزل بين الحقيقة والخيال.
بين أزقة الحياة وزواريبها المفعمة
الحرارة والطهارة... ومع تمازج العادات والحركات واﻷصوات تتوالد الظواهر وتتنوع، يصير
للحب طعم آخر، لمعارك كل يوم نكهة الخبز ورائحته، للماء على الطرقات والشوارع والمفارق
حالمون يفترضون المجاري حبكة نساجٍ فيها من اﻹبهار ما يفوق الوصف، للنفاياتِ مسميّاتٌ
وأوصافٌ ﻻ تنتهي، تعبّر عن كل ما فينا من ترسبات، والقضية الأساس (لا حقوق). نمارس
عاداتِنا بإتقانٍ شديد الخصوبةِ والمعرفةِ المبهمة. قلةٌ من اﻷفرادِ يحتكرون الناس،
يتحكمون بالتفاصيل ومصائرهم... كمن يُقنع الطريدةَ بجمال قنصها وقتلها. أن نقضي بشرف
غريزي، والعبرة علم الوطن وطلقات غوية تردي الفضاء تكاد، تحية مضمخة الدم، وتطبيع القمع
كشراكة ﻻ فكاك ﻷواصرها ما بين قاتل وقتيل.
كان أن نعيش لنشهد سحب سلام سوداء،
والمجد هذا الخراب من الماء إلى الماء، هناك في مدينة ما ومحطة يباس ويأس ومنافي، هناك
والمدن وجوهنا... تمر بنا ومسافرين بلا وطن، يحملون الخوف والتعب والشقاء، خصيلات شعر
وطين يتطايرون كأسراب طيورٍ مهاجرة، قليلاً من تراب الذاكرة والحنين والذكريات.
هناك أعبر بلحمي ومائي، والقلق
يسوس اﻷفكار ببيانٍ يليه بيان. يغمرنا المطر والصور... كانت الشوارع غزيرة بالعابرين، ولست غير نزوع فطري لمرحلة انتقالية ﻷجل تنافس أكثر
قسوة، والسؤال كيف نتصالح؟ كأنما مثلية نحملها بإصرار تأييد شعبي للمتألّه اﻵمر الناهي،
فانكشفت اعتواراتنا النفسية، فإذا اجتماعنا كر وفر، حركات تناحرية باسم السيد المستبد...
و(الله) كلمة عليا تلقى على جدر الخوف، فالنخب بشرقها وغربها تغامت في عباءات النساء
وحجابها ونقابها، تكنس قذراتها فلا نظافة لجهل، والمعاصرة ظنون في متن اﻷدب الجاهلي،
والراوية يقول حديث، يقول الخادم المطيع حرية ﻻ تتجزأ... إذن هو الموت الجماعي. ينزف
الواقع حريم السلاسل والسلاطين، تتحوّل اﻷغلال واﻷصفاد إلى قدرة ﻻ تضاهى لحلقات فولكلور
ونار وصل... ووصل ما انقطع عن حبل الشجرة.
في مرات سابقة، كنا نسبقها بغصّاتٍ
عصريةٍ، والبحث عن الذات تهمة مجازية يستحق عليها الجلد، إخضاع قدسي وليس لنا أن نفرح،
ثمة عسس بلاحقون الفراشات حتى احتراقها. لنا أن نقوم واليوم التالي حصاد مرير الغايات،
انتباهات تقول: انتبهوا فلا نفعل، حال تعودت فوضاها... واسعة اﻹنتشار، سمات ريعية ﻹخفاء
صراع ديكة المزابل، دردشة بلا هدف تقلصت فيها الحياة... وفيها صغرت الدنيا وتصغّرت
حتى أمتار ﻻ تذكر، فيها أناقة اﻷفكار، وتوارد الرغبات، شاهد، وصورة على الجدار ﻻ تفارق
مخيلتي أنى ذهبت وحللت.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.