رياض شرارة
رنات الضحكة الفرحة
وجهورية الثقة والحضور
الكاتب: مريم شعيب.
سحابةٌ سوداء ظلّلت الإعلامَ
اللبناني بعد غيابه، تعلّقت في سمائه أيامًا وأبت أن تمطر. فبقينا بانتظار كلماته
وإشاراته التي كانت بمنزلةِ الملح في طعامنا اليومي. طيبٌ مرح، يزداد شفافيةً
كلّما صفا ماء البحر. شفيفٌ يتهشّم أمام أدنى هبّةٍ من ريح، وما أكثر الرياح وما
أعتاها كانت في حياته. حبّب إليه في الحياة أمران: الضحك والمطالعة. حين يرسل
ضحكته الطويلة يجبر كل من يسمعه على مشاركته أو حتى الابتسامة، فيسعد الناس حتمًا،
وحين يطلُّ عبر شاشة التلفاز يُدلي بأجمل ما تلقّفه من مطالعته للكتب المختلفة
ليُغني جمهوره بما اغتنى هو به جاهدًا ساهرًا باحثًا عما يطوّر ثقافته ويغنيها، ليسعدَ
الناس أيضًا بمعلومةٍ يتلقّفونها مع كلِّ إطلالةٍ له.
ذاك هو "رياض
شرارة".
إعلامي وممثل لبناني، جمع
العديد من المواهب الفنية والقدرات الإبداعية التي ساعدته على التحليق في فضاء
الإعلام أكثر من ربع قرن.عُرِفَ من خلال العمل بالإذاعة، إنتقل بعدها إلى
التلفزيون، فتميّز في مجال تقديم البرامج، وخاصةً المسابقات في لبنان والوطن
العربي، وبدبلجة البرامج والمسلسلات الأجنبية. كما عمل في الصحافة المكتوبة،
فترأّس مجلة "الحوادث" ومجلة "تيليسينما". فضلاً عن كتاباته
الشعرية.
في مثل هذا الشهر غاب
الإعلامي الكبير رياض شرارة تاركًا بصمةً ذهبيةً في مجال الإعلام وفي قلوب جمهوره،
واليوم في ذكراه تتراءى لنا صورة وجهه البشوش الذي لازمته الابتسامة دومًا، وصوته
الذي كانت تختلط فيه رنات الضحكة الفرحة وجهورية الثقة والحضور.
ولد "رياض شرارة"
في بلده مشغرة البقاعية لكنه تركها في السنة الثامنة من عمره ليعيش في مدارس
داخلية بين (دير بلدية مشموشة الجنوبية وزحلة وبكفيا)، فكان ذلك مأخذًا منه على
أهله لما أورثته تلك المدارس من العقد في الحياة.
تميز بحضوره وخفة ظله
وتواضعه، لم يكن يقبل نعته بالـ "مقدّم"، ليس تعاليًا، إنما لأنه كان
يرى أسلوبه مختلفًا عن سائر المقدمين معتبرًا نفسه "سيد حفلٍ ومحيي
برامجٍ"، فيكون بذلك صاحب مهنة نادرة شروطها الموهبة والثقة بالنفس.
أحب التمثيل منذ الصغر،
فشارك بدايةً في النشاطات الفنية المدرسية ونشاطات نادي البلدة وتميّز بالأدوار
الكوميدية وأدوار الشر، وهي أصعب الأدوار في عالم التمثيل.
ترك منزل والديه في سن
المراهقة قاصدًا بيروت ليصنع مستقبله بنفسه، فعمل في حقل الكهرباء، وفي تخطيط
الآرمات وتصليح ماكينات الخياطة، متابعًا مع ذلك تدريس مادتي الأدب وال
فلسفة للصفوف الثانوية في
عدة مدارس. شبّ في بيروت، فساهم نشوب
الحرب الأهلية عام 1975، وانقطاع التواصل ما بين المناطق، في ازدياد الشعور
بالغربة، وبفقدان الكنف العائلي وحب الأرض والقرية.
عمل بعد ذلك في مطعم
"لاروندا" في ساحة البرج، وهو في الثامنة عشر من عمره، حين نصحه صديقه
بالتوجه نحو الإذاعة اللبنانية، فكانت الخطوة الأولى في حياته عبر برنامج (فكر
واربح) الذي استمر 12 سنة ونصف، وكان من أحب البرامج للناس، نجح البرنامج باختراق
قلوب الجماهير، ونجح "رياض" بخطف قلب المشتركة "رينه الدبس"،
التي اعترف لاحقًا أنه نجّحها غشًّا، وكانت المرة الوحيدة التي يغش فيها، وهي من
تزوجها وأنجب منها أولاده الأربعة، هنادي مساعدة مخرج، هادي المؤلف والموزع
الموسيقي المعروف، الممثلة نادين وغدي المتخصص في علم الموسيقى وآلة السكسفون. كما
قدّم العديد من البرامج المتنوعة في فترات البث المباشر بجانب كبار نجوم الإعلام
المسموع كـ (ايلي صليبي، سعاد قاروط العشي، الدكتور فاروق الجمّال، محمد المشنوق
وغيرهم...).
انتقل بعدها إلى التلفزيون
فعمل في مجال تقديم الأخبار، لكنه ما لبث أن انتقل مباشرةً إلى تقديم البرامج
الترفيهية، المجال الذي يتناسب مع طبيعته المرحة ووجهه البشوش وطرافته اللبقة
وسرعة بديهته.
لمع "رياض شرارة"
في مجال تقديم برامج المسابقات في الوطن العربي ودبلجة البرامج والمسلسلات
الأجنبية، كما أعدّ أول برنامج مسابقات في لبنان والعالم العربي (صفر أو عشرين)
عام 1962، استمر عرضه 12 عامًا، انضم بعده لإذاعة BBC كمراسل، ثم تفرّغ
لتقديم برامج المسابقات والمغامرات، وأشهرها برنامج المسابقات الياباني المدبلج
(الحصن)، والذي أذيع في الثمانينيات والتسعينيات على القنوات المصرية والعربية،
كما شارك في التمثيل فكانت تجربته في مسلسل (ناطور الحارة) عام 1975، كما شارك
الرحابنة في مسرحية "هلو بيروت".
وافته المنية إثر جلطة
دماغية يوم 24 سبتمبر عام 1994. فعاد "رياض" إلى مشغرة محمولاً على
الأكف. تعلو نعشه صورته التي أحبها الناس، فاستقبلته الحشود في كل قريةٍ مرّ بها
حتى مسقط رأسه.
أضحك الناس في زمن المآسي
والحروب، أضفى عليهم أجواء الفرح، بكى متأثرًا حين كان يذكر العظماء من عمالقة
الفنانين، فبكاه جمهوره بعد أن رحل لعالمه الآخر، تاركًا وراءه ضحكته الرنّانة،
صوته الشاعري، وجهه المبتسم، قلبه الصادق ومحبة الناس له. وعبارته التي لازالت على
باب منزله: "لن أعيشَ طويلاً... سأنتهي كما تنتهي الزهرة...".
ومن
شهادة أقرب صديقة له رافقته سنين طوال، ميراي مزرعاني لمجلة الهديل حيث قالت:
على الرغم من ثقافته الواسعة كان رياض
يعد ويحضر برنامجه. أحبّ المطالعة وامتهنها، فكانت بمثابة دوام عمل من الثامنة
صباحًا حتى الثانية ظهرًا. كان يحفظ كل شيء (مش معقول.. رهيب).
رياض شرارة رجل مهني، لا يتكرر، عذراً
من الجميع لن يأتي له مثيل أحب الناس ونقل لهم المعلومة بضحكة وبسمة.
ومع
فريق العمل، كان شخصًا قريبًا من الجميع ومتواضعًا، يمازحهم ويخبرهم نكات تضحكهم
"ما معقول شو هالزلمي الغريب والمحبّ". كنا نجد في حوزته دائماً حقيبة فيها
كل ما نحتاجه، كانت بمثابة "صيدلية" إذا أحد آلمه
رأسه يعطيه حبة دواء، وإذا جرحت قدم أحدٍ وجد عنده العلاج، كان "كالصليب الاحمر".
تتوقف لتعود وتتساءل، "كيف ما انتبه لنفسه يا عمي ما بعرف".
أشهر البرامج التي
قدّمها: الحروف تغنّي/ باب الحظ / أغاني أغاني/ نجوم
ولقاء/ نادي النوادي/
فكّر واربح/ صفر أو عشرين/ الحصن/ الأحد عالهوا/
ناس ونغم.
"بيستاهل قلمك"
احسنتي الاختيار ان تكتبي بقلمك المرهف بالإحساس الصادق عن عميد النكتة والابتسامة رياض شرارة
ونحن على ثقة سوف نقراء الكثير عن بعض عمالقة لبنان بفضل غزارة قلمك المناضل من اجل العظماء من تاريخ لبنان
اسمحي لي باستعارة عبارتك : رياض شرارة رجل مهني لا يتكرر ،
رياض شرارة ملأ الشاشة ولم ينجح أحد في ملئها بعده..
رائعة الأداء والأسلوب أسعدني ما قرأت سلمت أناملك تكتبين بحروف من ذهب
الفن هو موهبة وابداع وهبها الخالق لكل انسان ولكن بدرجات تختلف بين الفرد والآخر بحيث لا تستطيع ان تصف كل الناس بفنانين الا الذين يتميزون منهم بالقدرة الابداعية الهائلة..
دمت راقيةً متألقة..تحياتي
فعلاً رياض شرارة كان إنسان واسع الثقافة وحضوره محبب ولطيف، وبرامجه مع إمكانياتها البسيطة ما زالت أحلى واهم من البرامج الحاليه المنحطة والتافهه إلى حد الإسفاف، واتمنى ان يكون في عائلته من يقرأ المقالة ويرد عليها شكرا كاتبتها..
كنت يافعة عندما سمعت أبي يقول عنه ثروة وطنية؛
ضحكت في خلدي إذ كيف لإنسان أن يكون ثروة لوطن بالكامل، اليوم وبعد هذا العمر من الفاضائيات والأرضيات والإختلافات, أدركت مامنعى أن يجمع إنسان واحد في قلبه كل الوطن بمختلف أطيافه ومذاهبه وتعدداته! وكيف؟؟ إن لم يكن هذا الإنسان رياض شرارة...
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.