غيبوبة الوقت
والحياة وعاء القوى من خيرٍ
وشر
الكاتب: الأديب
أحمد وهبي
يا للعجب... في بلاد اﻷعاجيبِ تصدق
الحكايات تكاد، نعيشها بكل ما أوتينا من قوةٍ وبأس الحياة، غير أننا نرفض رواياتنا
الواقعية، نقيم حولها حصونًا وأبراجًا عالية، أو ندفنها مثل أي جميلٍ فينا، فلا نصحو...
وإن فعلنا نكون خلف رواياتنا، نحاول وإن أمسكنا بطرفِ خيطٍ لضوء... نشرع في قراءتها
كأنها غيرنا، والنقاش لفظ معرفي، ابتسار الحنطة لخبزٍ ﻻ يؤكل.
تفاصيلها ما ﻻ ندرك، وإن أدركنا،
ليلُ وليل أضاف إلى عتمةِ النفوس ومضاتٍ ليست ضوءًا، شذرات مبرقعة، مرقّعة بجلدِ غرابِ
قابيل، مفعمة بنصوص الصحابة، فإذا ما تثانت الصور والأفكار في مصاحف القرون، تبدت عاديات
الحديث، ومن تقلد دار اﻹفتاء، تقلّد مهاويها اللامحدودة طغمة نرجسيين أطلقوا ذئابَهم
بقدسيةٍ شديدةِ اﻹحتراق، فنالت منا ما نالت وﻻ زلنا أول الليلِ نجهل آخرَ النفق، وبنا
كائناتٌ نفقت وأخرى انقرضت ومَن قضى مِنا أفلت من يديه ماءً محنّىً بوجعِ الوجوه، فأفلتت
لمسات تحن إلى خبزها ومائها، إلى أن غفت بعينين دامعتين تُبصِرُ مائِيَ لامِعًا مثلَ
بريق السيوف، ولدًا يسيرُ بين الحتوف... حررتني روحها، يداها تشدُّ على اﻷصفاد، تسبقني
وتترك وحيدًا... أجمع أشلاء الصنوبرات والسنديانات، ماء شفيع حواريين وقد مكثوا حول
غريب صليبه بخوابي النبيذ.
وإن تجيء الجموع وتجدني مصابًا
بحصار الجلاوزة والطغاة، وحين أتردد بين فتنة القتل ولوركا... يدفعني عنه إلى اﻷيام،
لماذا اصرخ، وأحدهم يكسر الباب بخبطةِ قدم... يصرخ والدي بالعساكر "نحن مدنيون"،
كنت أحتاج لصفعةٍ نفسيةٍ مدوّية كي أفيقَ من ذهولي وخوفي، لحظة أسقطت كل الخوف اﻵتي.
والحياة وعاء القوى من خيرٍ وشر،
تحملنا في حمأة التمني، تشعل النفس بمواقد ومواقع ودوافع ليل ونهار، تمسك بالربح وقد
سلبت ما تقافز والرؤى، يحملها نهر في مجرى الدمع، في مجرى السنين نار الهجران... تلك
وقد حيكت لها ضروع الحكايات، يوم ارتجفت أنامل الصقيع، والضفيرات خمرية اﻷشواق، عتقتها
صبوات إسمٍ واحد للنساء... حواء الحياة وقد قطفت حبيبات الدم بنشوة في الصدر، حملتني
مثل رغبة نهدين تفتّحا في اﻹنتظار.
في غيبوبة الوقت ترجماتٌ تفترش
المشاعَ من الملاءات والحلم والورق. رتابة تكتب يومياتِها بوهجِ خواطرَ وإن تكاسرت،
تصادقًا غريبًا للكلام... تكسّرت كنصال في حمحمة الردود، واﻵخر في اﻵخر يستدعي أكثر
من قراءة وعبارة. حين غابت تلك العبارة وراء اﻷفق، عبرت خيولَ وأمداءَ وقوافي، وأنثال
متنبون ﻻستقطاب مهاجرين من كتب شتّى، فكان الحضور اقتيادًا لنواة قتلت، وبالرغم تتواصل
في الخلق، يتكلمون في اﻷفراح واﻷتراح بفطرةِ انوجادهم. والغاية تبرر الوسيلة، فسقط
من سقط، والقدرة على امتشاق الغايات جماعاتٌ جلل تحاول ذلك الهراء في سوق العرض والطلب.
والمعرّي في النصوص يقول مهلاً...
كنت أعثر أحيانًا على عفويةٍ نادرةٍ، على براءةِ وردةٍ كلما كثُرت أشواكُها ازدادت
شذًى ورغبة تطفح بضحكات اﻷطفال، فما وراء بحّة الكلمات ترجيع للعثور على معنى في المعنى،
والدروب معاناة التساؤل والمفارقة، إغراق يسبر ما توارى خلف البصيرة... وظلي عني يبدي
انقسامًا لظل يومئ لعابر سبيل، وما كان في الوقت غير تثاقل مليء اﻹحتراق، غير حلاج
يتدفق بصفو المعارج، وهو في كل العمر يثير انتباهاتنا، فخمنت رغبة محملة المفارقات
واﻷبعاد.
بين اللحظات المرصودة لمزاج قهوة
الصباح... كان الوقت ابتعادًا كلما تقدمت من مرآتي، والناس فيها يشكون ناري لجليد السكون،
فإن كانوا كنت واحدًا، وإن كسروا وقتهم كنت واحدًا، وإن رحلوا بكى القلب وبقيت واحدًا...
وحيدًا أشخص في الكلمات بوجوه توجدي، وأذرف وقتي بوحشة الفراغ والوحدة، أتمتم رؤىً
ﻻ أعرف كيف أقتفيها...؟ كيف لي هذا السكون وبي كل هذا البوح...!!؟
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.