نفتقدك
كما يفتقد البدر في الليلة الظلماء
وتبقى
في ذاكرتنا
قدوة
يُحتذى ويُقتدى بها للأجيال القادمة
الكاتب: مريم شعيب
إنسانٌ
ومواطن، وهو على خُلُقٍ رفيع، أكاديمي وكاتب أعطى بسخاء، نهضوي ومجدد وحدائي
ومبدع، مثقفٌ ناضل بقلمه في سبيل الحرية والاستقلال والتحرير والتحرر والمواطنية
والعدالة والمساواة والنهوض والتقدم والبناء والتنمية الإنسانية الشاملة،
والإنسانية العقلانية الوسطية المنفتخة والمتفاعلة مع الحضارات والثقافات
والأديان، والتي لا تبنى إلا على أسس وقيم كرامة حقوق الإنسان، واحترام التنوع
والديمقراطية، وثقافة الحوار والمصالحة والعيش معًا بحريةٍ ومحبةٍ.
صاحب
ثقافة واسعة. يحظى باحترام وتقدير ومحبة أهل الفكر لا سيما الأوساط المدرسية
والجامعية والأجيال التي سهر على تربيتها.
بفقدانك
خسر لبنان فارسًا مدافعًا عن بيئته وتراثه، أعطاه من فكره، وعقله وقلبه، نفتقدك
كما يفتقد البدر في الليلة الظلماء، وتبقى في ذاكرتنا وذاكرة الكثيرين قدوة يُحتذى
ويُقتدى بها للأجيال القادمة.
وفاء
للزميل الراحل الدكتور محمد عقل أعيد نشر لقائي الذي تم معه ونشر سابقًا في مجلة "شؤون
جنوبية"، حول تجربته مع المجلة في ذكرى تأسيسها.
لله في خلقه شؤون.... جنوبية
علمتني اكتشاف محيطي وحرمونيّتي
تعتبر
تجربته إحدى الإشارات البارزة في عالم الفن التشكيلي العربي، إذ تميّزت بارتباطها
الوثيق والعميق بلغته الأم "لغة القرآن".
تجربته
وعلى مر السنوات ظلت موّارة بالحياة، رافلة بالبساطة والعفوية والعمق، ما جعلها من
الفنون السهلة الممتنعة، بحيث شهدت تلك التجربة عدّة انعطافات واتجاهات لكنها لم
تبعد عن المحور الأساسي لشخصيته وأسلوبه القائم على نوع من التعبيرية المختزلة
شكلاً ومضموناً، والشديدة الارتباط بحرائق الحياة وتجدّدها الدائم.
محمد
عقل صاحب ورئيس تحرير مجلتي "النقطة" و "بلدنا"، تولى مهمة
سكرتير تحرير مجلة "شؤون جنوبية (2006-2009 ).
حول تجربته في "شؤون جنوبية" تمحور
لقاؤنا هذا:
·
هلا اختصرت لنا سنواتٍ من تجاربك مع الكلام
والورق مروراً بِ "شؤون جنوبية" ؟
أصعب
شيء هو اختصار الحياة، ومن يقدر على ذلك يكون مجنوناً عظيماً. لكنه بالتأكيد سيضيء
مثل شمسٍ وحيدة في فضاء ويموت. سأحاول اختصار أكثر من 30 عاماً صاروا خلفي،
ومقالات وأكياس من كلام وورق اعتلته الأيام. حينما كنت أركض من بيروت - الكولا إلى
دار الصيّاد، ثم إلى صباح الخير- البناء، وكرّت السنوات وأنا أركض للّحاق
بالكلمات، أحاول اصطيادها مثل نملة تحاول سحب حبة قمح وتحاول مع الأيام أن تشمها،
وكذلك في "السياسة" الكويتية مكتب بيروت. و"شمس الحمرا"
و"صوت الوطن" التي غابت، ومجلة "النقطة" التي ما زلت أراها في
الحلم، وأحلامي تركض صوب "بلدنا" وتقف على الباب.
إن
لله في خلقه شؤون... جنوبية، بدأت أشعر وقبل أن أكون محرراً فيها وسكرتيراً
للتحرير ثم مسؤولاً، أنّ المهم هو "درس" الكلمات مثل فلاح عتيق على
بيادر الجنوب. مرّت أيلمٌ أحسست أني أعيش الجنوب وهو يعبق مثل ريحٍ في قميصي ودمي
مثل رائحة تفاحةٍ ناضجة. حين ذهبت في موسم زهر الليمون مع "السيد علي"
.. كنا قرب صيدا... أخذت الهواء من حولي وصحت بعالي الصوت "يا ألله.. يا
ألله" وردّدتها مراراً، لأول مرة في حياتي كنت أشتمّ رائحة زهر الليمون...
تفاجأ "السيد علي" قال: ما بك يا رجووول"؟ قلت: من يقدر أن يكتب
ريح الليمون.. يا ألله يا ألله...!
هكذا
صرت أحاول شمّ الكلمات، دعك المقالات، لكلِّ مقال رائحة ولكلٍّ تعب لون آخر. كنت
أشمّها وأحلم. أحسُّ المقالات، "أشحٍّل" أقلامها وأزرعها في الصفحات
وتفوح روائحها، من هدوء علي ويديه الرطبتين، إلى غنج صبايا وعياط آخرات وانزعاج
آخرين، كنت أحسُّ أني "مزعجٌ" أحياناً كثيرة... لأني أريد أن أقبض على
العنوان اللاهب، وحروف تزهر مثل نارٍ في كانون، وأصواتٌ " تطوش" ولا
أسمعها.
·
ما هو المفهوم السائد الذي يشغلك هذه الأيام ؟
الآن
أبحث عن المعنى.. عن معنى المعنى... عن روح معنى المعنى، صارت الكلمات كثيرة، والحِيَلُ
كثيرة، واختفت روائح روائح. نلتقي بالكلمات كلَّ لحظة، صرنا نحاول طردها مثل ذباب
مزعج. في التلفون، في التلفزيون، في الجريدة، في المجلات، في الإعلانات، في
الإذاعات، في الشارع. كأننا ضحايا الكلمات. دخلت الكلمات في الأحلام، في الهواء،
في الأكل وغرف النوم والحمام.
المسألة
بحاجة إلى خبرة وسرعة بديهة وشرارة نار ولهب، لالتقاط روح الأشياء، أنا الآن أحاول
بعيداُ: التقاط روح الكلمات، كما شممت رائحة زهر الليمون في موسمه... أحسُّ
أحياناً أن عمري 700 عام مضت. أحس أني ممتليءٌ بالأحلام، أحسُّ أنّ مدن العالم
مضيئة تسبح في فضاءاتٍ بعيدة ونحن وحيدون نحاول التقاط المشهد عن الأرض... من تحت.
تحولاتٌ
عظيمة حصلت وتحصل يومياً، ومدننا العريبة تسبح في دمها، وتعلك دينها، وتطحن من
المذاهب ما هبًّ ودبّ. ويصوِّر القيّمون هذا الدبيب أنه إعادة صياغة للتاريخ.
ويعتبرالقيّمون علينا - دام ظلّهم – أنًّ ظلّهم يحيينا، وأنّ استرجاع أفكار
المذاهب تطربنا. واللهِ - بالكسر- واللهِ
قرفنا من هذا العلك. من يظنّ في بلادي أن الإنسان خلق لخدمة الدين فقد كفر. الدين
خُلِقَ من أجلنا. من ظنَّ أننا عبيد النصِّ فقد كفر، لأننا نحن نخلق النص. من ظنَّ
أنه المرجع فقد كفر، فللهِ المرجع، ونحن التجلّي.
· عمرٌ مضى
مع الكلمات برأيكم ما الغاية من الكتابة؟
بعد
50 عاماً لزوم علينا الإجابة على السؤال. فالسؤال هو الحركة، والجواب ارتجاف. أنا
الآن أحاول الإجابة، لم تعد العموميات تفيد، ولم يعد علك الماضي يفيد. السؤال :
لماذا وصلنا إلى هنا بعد آلافٍ من السنين؟ أهو الدين الذي يبني الدولة؟ أم الوطن؟
أهو الحاكم يبني الوطن أم المواطن؟ هل رأيتم منذ فجر التاريخ مذهباً يبني وطناً؟!
إذا كان الجواب نعم فقد كفرتم، فمتى نتخلّص من هذا الكفر. من يعتقد حتى الآن أنّ
الدين أساس الحضارة فقد كفر، فالدين جزءٌ من الحضارة.
·
ماذا أضافت "شؤون جنوبية" في تجاريب
حياتك؟
علّمتني
"شؤون جنوبية" الالتفات إلى ما حولي في بلدتي ومحيطي. أحببت ملفاتها
التي تضمنت التعريف بالقرى والبلدات من هوية، تاريخ، معالم، كما الإشادة بأدوار
البلديات، ما جعلني أفكّر بإنشاء مجلة تهتم بهذه الملفات في منطقتنا البقاعية
والتي تفتقر لهكذا مجلة وصدرت بعنوان "بلدنا". وكنت مهتماً بالأساس إلى
هذه الناحية، فالتفتُّ إلى منطقة حرمون، بصفتي حرموني، هذا الجبل العظيم الذي حلمت
طويلاً بزيارته وتحقق ذلك في العام 2005. رأيته جبلاً مهيباً. عليه تجلّى معلِّمنا
المسيح، ومن حوله في وادي التيم والجنوب والبقاع الغربي، فلماذا لا أكتب ذلك؟
وهكذا بدأت أكتب عن محيطي ملجأ الحواريين إلى البقاع الغربي وراشيا. وأعتقد جازماً
أني عثرت على كنزٍ تاريخي بهذا الأمر. أنا الآن مشغولٌ باكتشاف كنزي، أكتب في
الصفحة 100، وعلى أبواب الربيع أتمنى أن يرى كلُّ من أعرفهم كشفي هذا.
حاورته: مريم شعيب
محمد عقل
·
مواليد 1959 لبّايا - البقاع الغربي.
·
صاحب ورئيس تحرير مجلة "النقطة"
التشكيلية 1991
·
أسس جمعية لبّايا للإنماء 2000
·
مدرّس ثانوي متعاقد في المجمع المهني في بئر حسن الرسمي،
تحليل نص، BT1
– BT2 – BT3، ويدرّس الخط العربي والزخرفة،
والحرف اللاتيني والتصميم. 2002 .
·
ماجستير في اللغة العربية وآدابها، (الجامعه اللبنانية -
كلية الآداب) 2003.
·
الكفاءة في التعليم الثانوي (الجامعة اللبنانية - كلية
التربية) 2004 .
·
نال شهادة الدكتورا من الجامعة الإسلامية - كلية
الآداب)، بعنوان "معجم مصطلحات التوحّد وتطوّر دلالتها في ضوء إشارات النص
القرآني ةالحديث ونهج البلاغة والصحيفة السجادية" وهي دراسة في فقه اللغة،
2006 .
·
سكرتسر تحرير مجلة
"شؤون جنوبية" 2006.
·
صاحب ورئيس تحرير مجلة "بلدنا" 2008.
·
صدر له كتاب: " أبجدية القرآن من مملكة سبأ "
2008.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.