واقع أمراض القلب والشرايين
الثورات الأربع في علاج انسداد
الشرايين التاجية للقلب (الجزء الأول)
الكاتب: د. طلال حمّود،
أخصائي في أمراض القلب والشرايين
الثورة
الأولى( 1977-1988): تطوّر علاج أمراض القلب
والشرايين بالبالون angioplasty) Balloon):
يعود الفضل في تطوير عملية توسيع الشرايين بالبالون إلى
طبيب سويري شهير
من
أصل نمساوي اسمه Andreas
Gruntzig))، والذي قام في سنة
1977 بأول عملية توسيع لشرايين القلب التاجية بالبالون، وطوّر بشكلٍ واسع جميع
الأدوات التي تستعمل حتى اليوم في هذه التقنية. منذ ذلك الوقت عمل مهندسو وخبراء
الشركات الطبية المتخصصة وبتعاونٍ وثيق مع الأطباء على تطوير هذه التقنية وإيجاد
وسائل قادرة على توسيع معظم تضيّقـات الشرايين تقريباً مهما كانت درجة صعوبتها.
وقد تطوّرت عمليات توسيع الشرايين بالبالون بشكلٍ مهم في تلك الفترة ونافست بشكل
كبير العمليات الجراحية (القلب المفتوح)، بسبب سهولتها وقدرتها على علاج معظم
الحالات المرضية، ولكن مشكلتها الأساسية كانت كما ذكرنا في معاودة الانسداد، والتي
تم دراستها ومحاولة مكافحتها من خلال أكثر من سبعين دراسة، شارك فيها حوالى خمسين
ألف مريض وتم خلالها اختبار عدة أدوية ومواد مضادّة لتكاثر الخلايا والالتهابات
ومعدلات المناعة ومضادات التخثّر وغيرها, دون منفعة كبيرة في كل تلك الدراسات. وقد
حاول أطباء القلب أيضاً معالجة هذه المعضلة بتقنيّات أخرى مختلفة تعمل على تذويب أو تفتيت الكتل الدهنية أو استخراجها أو
على منع تكاثر الخلايا الموجودة في منطقة الانسداد مثل تقنيّات الليزر والإشعاعات
والتردّدات الصوتية وغيرها:
(Directional atherectomy Transluminal extraction atherectomy, Laser, Brachytherapy,
Rotational atherectomy, Therapeutic
ultrasound…).
ولكن كل هذه التقنيات
لم تلقَ
أيضا نجاحاً كبيرًا وسقطت فيما بعد ولم يبقَ لها مكان
سوى في بعض الحالات الخاصة وفي مجال الأبحاث، إلى أن تم في نهاية
تلك المرحلة اكتشاف الرسورات والذي شكّل ثورة حقيقية في هذا المضمار.
الثورة الثانية(1988-2001): إكتشاف الروسور (Stent) كان من أهم الوسائل التي ساعدت في منع معاودة
انسداد الشرايين:
لاحظ أطباء القلب تدريجياً أن عمليات البالون
لها عوارض جانبية مثل إمكانية حدوث تمزّق في جدار الشريان قد يؤدي أحيانًا إلى
انسداده جزئياً أو كلياً وأن المنطقة الموسّعة بالبالون يمكن أن تكون عرضة لتكاثر
غير طبيعي للخلايا العضلية وخلايا متنوعة أخرى موجودة في جدار الشريان، ما يؤدي
إلى معاودة الانسداد بنسبة تتراوح بين 30% و 50% خلال الأشهر الستة التي تلي عملية
التوسيع. فعمد الباحثون إلى تطوير تقنيات جديدة لمعالجة هاتين المشكلتين وحدث ذلك
لأول مرة سنة 1986، على يد طبيب فرنسي مشهور يدعى (Jacques Puel) الذي وضع جسرًا معدنيًا
بشكل روسور، أو لولب في المنطقة التي تم توسيعها بالبالون, وقد كانت تجربته ناجحة
نسبيًا في ذلك الوقت ما كان يسمح بتدعيم جدار الشريان ومنعه من الإطباق السريع بعد
التوسيع ويحدّ أيضا من إمكانية معاودة الانسداد عن طريق منع تكاثر الخلايا في تلك
المنطقة من الشريان.
ومنذ
ذلك الوقت توالت الاكتشافات وطوّر الأخصّائيون بمساعدة تقنيات الليزر أشكالاً
هندسية مختلفة ومتنوعة من الروسّورات أدخلوا فيها معادن مختلفة: (Stainless
steel, Cobalt Chromium, Platinium, Nitinol)، وتبيّن نتيجة لأبحاث واسعة أن هذا الاختراع لعب دوراً كبيراً في
تخفيف العوارض الجانبية لعملية توسيع الشرايين وخفّض بشكلٍ كبيرٍ إمكانية معاودة
التضييق إلى نِسبٍ تتراوح بين 10% إلى 20% حسب الدراسات المتعدّدة التي أجريت في
تلك الفترة. وقد أصبحت هذه القطع المعدنية، خبزًا يوميًا لأطباء القلب المختصّين
في عمليات توسيع الشرايين، حيث يقوم الأطباء حاليًّا بوضع الروسّور في حوالي 90%
من الحالات وذلك توخيًا للفوائد الكبيرة لهذه التقنية وأصبح استعمال الروسّور شبه
إلزامي في كل الحالات التي من الممكن فيها تمريره إلى مكان الانسداد لأن وجود
الكلس أو الاعوجاجات في الشرايين قد يمنع تقدّم الروسّور في بعض الحالات.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.