الطلاب اللبنانيون في فرنسا:
مجتمعات بهويّات متعددة
الكاتب: أحمد
عيساوي
لا تبدو حيوات الطلاب اللبنانيين في فرنسا شبيهة بمثيلاتها في الجاليات العربية الأخرى، إذ تغيب
النمطية بشكلها المتجانس داخل البيئة اللبنانية في تمظهراتها المعيشية والاجتماعية
والعلمية وتبدو سمة "الاختلاف" الأكثر تصديقًا في وصف الحالة الاغترابية
للشباب اللبناني الذي يبحث عن تحصيله العلمي في المدن الفرنسية.
يستطيع المراقب الحصيف لحال الحركة الطلابية الوافدة إلى
فرنسا منذ السبعينات لا سيما في العقد الأخير من القرن الحالي، أن يلحظ انعكاسًا
للمجتمع المحلي (العائلة/ الضيعة/ الحي...) في لبنان على تصرفات الطلاب في الطور
الأول من الانسلاخ الأهلي عن المحيط الأول وتبدو قدرة هؤلاء على الربط والتواصل
محدودة خاصة الفئة التي قرّرت بدء مشوارها التعليمي في فرنسا فور إنهائها مرحلة
البكالوريا بنجاح. ويلعب العمر دورًا محوريًا في طبيعة تأقلم الفرد (الطالب) مع
المعاش الجديد وما يحكمه من تأطير للشخصيات في حديّ الزمان والمكان.
يقول سامر الذي نجح في امتحان الدخول إلى كلية
الطب في "مونبيلييه": بعد نجاحي في البكالوريا، قرّر والديّ أن أبدأ
التحصيل الجامعي في فرنسا. لا أخفي أبدا أنني عانيت كثيرًا في الفترة الأولى خاصة
لجهة التأقلم مع اللغة وكيفية الاعتماد على النفس في ما يخصّ الأمور المنزلية
سيّما تحضير الطعام وتنظيف السكن...، لكنني سعيد جدًا بتلك التجربة التي أصقلت
لديّ حسّ المسؤولية وعلمتني الكثير". أما محمد الذي وجد في فرنسا ملاذًا
آمنا للتنفيث عمّا في داخله، يقول عن تجربته: في لبنان تعاني من ضغط الأهل وتكون صورتك
أمام المجتمع دائمًا عرضة للتشكيك. هنا أفعل ما أريد دون أن أهتم كثيرًا بالمجتمع
الذي يحيط بي".
والحال أنّ الإنفلات من قبضة السلطة الرعوية التي يمثلّها
الأهل تشكّل سببًا إضافيًا لدفع الطلاب الشباب نحو خوض غمار تجربة خارج لبنان. ليال
التي أنهت مرحلة الإجازة في الجامعة اللبنانية، وتكمل مرحلة الماستر في مجال
العلوم الطبيعية في مدينة "كان" ترى أنّ تكوين الذات لا يمرّ إلا عبر
الوقوع في الأخطاء لتحديد الصواب وتمييزه. تضيف "هنا مثلاً تعرفت إلى شاب، هو
صديقي اليوم، "مثلي جنسيًا"، هذا الأمر كان يشكّل لنا رهابًا في مجتمعنا
الضيّق إذ كنا نخاف من الحديث مع مثليين أو حتى مجرّد الالتقاء بهم. في فرنسا
تعلّمت أنّ احترام الإنسان مهما اختلفت نزعاته وميوله الجنسية والدينية والسياسية
هو خط أحمر".
على أنّ اكتشاف الذات وتحمل المسؤولية والمكتسبات
الإيجابية التي تضاف إلى رصيد الوافدين الجدد إلى فرنسا لم تمنع آخرين من الاحتفاظ
بنمطية تشوّه المرحلة التي تلي الخروج الطوعي عن البيئة المحلية، إذ يبدو استحضار
الخلاف السياسي أو المذهبي في لبنان موضوعًا جدليًا تزيد حدّته بقدر ما يكون
المشهد متأزمًا في بيروت. لذلك أمكن القول أنّ الهمّ الدراسي الذي يجمع هؤلاء
الطلاب والذي ينطوي على تأمين المنح التعليمية والتفوّق والعمل لاحقًا، لا يمنع من
استذكار الوطن بمآسيه وآلامه التي لا تبرح تنتهي حتى تعود من جديد.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.