حسن علاء الدين -
شوشو
الكاتب: مريم شعيب
عرف المسرح الكوميدي اللبناني عدداً من الفنانين اللامعين الذين شاركو بخلق نهضة مسرحية مميزة ومحبوبة لدى الناس، كان أبرزهم والذي تمتع آنذاك بحضورٍ مختلف ومتميّزٍ، صوتًا، غناءً وتمثيلاً، فضلاً عن حركاته الفكاهية الإبداعية والارتجالية غالبًا، هو الفنان حسن علاء الدين، أو (شوشو)، اللقب اللي خطف وهج الإسم الحقيقي وصار رمزًا من الرموز الفنيه اللبنانيه.
شكّل
حسن علاء الدين (شوشو: 1939 ـ 1975) حالة فنيّة استثنائية. لم يدرس المسرح، لكنّه
حفر اسمه واحداً من رواده الخالدين.
استطاع
أن يرسم البسمة على وجه كل من يشاهده حتى قبل أن يفتح فمه، رغم أن حياته الشخصية
كانت مليئة بالأحزان، ما انطبع على
ملامح وجهه. قدرة غير عادية تمتع بها عبقريّ عصره على قهر الأحزان وتحويلها لمادة
للسخرية ورسم الفرحة. وفي الوقت الذى ظل يلقبه من حوله بملك الكوميديا ومهندسها،
كان حبيب الشعب وعدو السلطة لأنه ساخر، وخفة ظله كانت لا ترحم، فكان يسخر من نفسه
ومن أصحاب السلطة في دولته، ما جعله من المغضوب عليهم، توفى لا يملك شيئًا بالرغم
من ثروته الكوميدية الضخمة التي كانت تعجز كل من يحاول تقليده سواء في الشكل أو في
الأداء.
نستعيده
اليوم بعد مرور أربعين عاماً على رحيله وهو في قمّة عطائه، في 2 تشرين الثاني من
عام 1975.
ولد حسن علاء الدين إبن بلدة جون الجنوبية، في
بيروت في 26 شباط سنة 1939، فقد والده وهو في الثامنة من عمره. تعلّم من
الحياة أشياء كثيرة، إلّا أنّ طموحه وعناده ساهما في نجاحه، كان منذ صغره ميّالًا
لتقليد كل من يراه في حياته اليومية، حيث يجمع رفاقه ليقدّموا اسكتشات تمثيلية،
بجانب المنزل، ويطلب من الجمهور بدل مشاهدة العرض. تأثر بالكوميديين الذين سبقوه
كبشارة واكيم واسماعيل يس، وأحبّ أفلام الفكاهة كأفلام شارلي شابلن.
حمل
أفكاراً مباشرة وغير تجريدية أو سريالية، وأحلاماً في الواقع والحاضر، وما وراء
الواقع. تميّز بصوته التهكمي الطفولي وبشاربيه الطويلين وجسده النحيل، وحركاته
الغير معتادة، على رأسه قبعة أو طربوش، وملابسه غير متناسقة للتعبير عن الاختلاف
عن عصره.
بدأ
مسيرته المسرحية في فرقة شباب هواة، ووجد طريقه إلى الاذاعة والتلفزيون بتعرّفه
إلى الفنان محمد شامل، في مسرحيّةٍ حضرها هذا الأخير على مضض،
متفاجئًا من تصفيق الجمهور لشوشو الغير معروف عنده، وفي اليوم التالي زار شوشو
شامل في مكتبه وطلب منه إشراكه في برامجه الفنيّة، لكنّ شامل رفض، ومع إصرار شوشو
وملاحقته له، أرسله للمخرج محمد كريّم الذي أعطاه دورًا في برنامج إذاعي كان عبارة
عن قرع الباب على الميكروفون.
شوشو والتلفزيون:
في مطلع الستينات وبعد ثلاث سنوات، بدأ التعاون بين حسن
علاء الدين ومحمد شامل، في برنامج تلفزيوني مخصّص للأطفال، كتبه شامل وأعطى فيه
البطوله لحسن مطلقًأ عليه لقب شوشو، وفيه غنّى أولى أغنياته: حبّ اللولو سنيناتي/ بنضفهن بديّاتي/ لونن أبيض متل التلج/ شوفوهن يا رفقاتي.
أعجب علاء الدين
بفاطمة، إبنة شامل، حين كانت مشروع
مطربة، وتزوجها “خطيفة”، وأنجب معها أولاده الثلاثة، خضر، ومحمد شامل، ونوّار،
ابنته التي غنّى لها تهويدته الشهيرة “نانا الحلوة”.
شوشو
والأطفال:
نجح
شوشو في التلفزيون، وكانت له كاريزما خاصة جعلته صديقاً لجميع الأطفال، فقد قدّم
لهم عدداً كبيراً من الأغاني. اختاره محمد شامل مرّة ثانية لبطولة برنامج “يا مدير”،
واستمر النجاح وكتبت معظم الصحف في ذلك الوقت أنّه الممثل الوحيد الذي كانت لديه
القدرة على أن يجمع كل أفراد العائلة في لبنان ليلتفوا حول الشاشة الصغيرة مساء كل
سبت لمشاهدة “الممثل اللي قدر يفوت على كل البيوت” بعبارة "كيفك يا
شخص؟". ثم قدّم حلقاتٍ فكاهية، ومسلسل “شارع العز”، و”المشوار
الطويل” وهو أحد
روائعه الذي أثبت فيه شخصيته الدرامية إلى جانب قدرته الكوميدية، وأبرز فيه قدرات
شارل بوييه الذي لعب الدور نفسه في فيلم “فاني” الذي عرض في الفترة نفسها.
شوشو في السينما: كانت أوّل مغامره
له بعنوان “شوشو والمليون” منحته نجاحًا غير متوقّع فكان أوّل فيلم
عربي يُعرض في إحدى صالات الحمرا. مثل بعده: يا سلام ع الحب، مغامرات السعاده،
سلام بعد الموت، زمان يا حب، وسيدتي الجميلة مع الممثلة نيللي. حتى قيل فيه: “لو
توفر لهذا الفنان إمكانات سينمائية رفيعة المستوى، لكان أشهر ممثل كوميدي في هذا
العصر”.
المسرح
الوطني:
في
العام 1965، أنشأ شوشو مع نزار ميقاتي المسرح الوطني، في ساحة البرج (وسط بيروت).
بدأ بمسرحية “شوشو بك في صوفر”، فلاقت نجاحاً كبيراً، وقال
له الشاعر جورج شحادة: “أنت ممثل كوميدي عالمي”، وعرض عليه أن يأخذه إلى باريس لتنطلق
شهرته عالمياً، لكن شوشو رفض واستمرّ بتقديم عمله المسرحي الأول مدة ستة أشهر
كاملة.
كان
الفنان حسن علاء الدين يكثف عطاءه ويضاعف طاقته، وكأنه يتوقع موته المبكر، شأنه
شأن العظماء من أمثاله. كان مسرح “شوشو” مدرسة لاكتشاف المواهب وتدريبها... فعلى
خشبته نشأ أبرز العمالقة الراحلين ابراهيم مرعشلي وزياد مكوك وفريال كريم وماجد
أفيوني. حاز شوشو في وقت مبكر على أوسمة عدة، منها وسام الاستحقاق اللبناني في
العام 1968، وفي 1971 جائزة سعيد عقل. أما في العام 1973، فنال شهادة شرف من منظمة
اليونيسيف، ونال إعجابًا هاماً من كل من ميخائيل نعيمة وجورج شحادة.
رغم
وفاته شاباً، تمكّن شوشو من إنجاز 28 عملاً مسرحياً، تميّزت بحسها الكوميدي
العالي، وبإرساء نمط مسرح شعبي متاح لكلّ الناس، إضافةً إلى النقد السياسي. وعلى
أثر ذلك النقد، استدعي للتحقيق أكثر من مرّة. وكان أول من وجه النقد الساخر لرجال
السياسة في لبنان، الذين حرصوا على مشاهدة معظم أعماله. وكان من جمهوره الوفي كميل
شمعون، وصائب سلام، وسليمان فرنجيه، وكمال جنبلاط، إضافةً إلى فنانين كثر، كأم
كلثوم والتي كان يُحكى عن صدى قهقهتها في مسرح شوشو، رغم أنها كانت لا تضحك إلا
نادراً، وعبد الحليم حافظ، وفريد الأطرش، وعبد الوهاب، وناديا لطفي، وفريد شوقي،
وعميد المسرح العربي يوسف وهبي. وشاركته بديعة مصابني في مسرحيّته “كافيار وعدس”
بين عامي 1969 و1970. تخصص شوشو في فنّ الفودفيل، وفي لبننة مسرحيات موليير.
ولم يقتصر نجاحه على مسرح الكبار فقط، بل كان أول فنان عربي يشتغل على مسرح الطفل،
في أربع أعمال شاركته البطولة فرقته، والممثلة هالة فاخر مسرحية “جوا وبرا”
(1972). قدّم شوشو آخر عروضه المسرحيّة في الأردن (آب 1975). وخلال طريق عودته،
داهمته أزمة قلبية. فتلقى العلاج في عمان، ثم عاد إلى وطنه، حيث لازمته الآلام،
إلى أن فارق الحياة في أوائل تشرين الثاني من العام ذاته.
وكان
يحضّر لعمل مسرحي “زوجة الفرّان” للمخرج يعقوب الشدراوي، ولإنتاج الجزء الثاني من
مسلسل “الدوّامة” مع نيللي ونجلاء فتحي، إلا أن الحرب ابتعلت أحلامه باحتراق
مسرحه، ما ساهم في تدهور حالته الصحيّة والنفسية، وإدمانه القهوة والتدخين حتى
رحيله.
جاءت
وفاته إيذاناً بموت الزمن الجميل... فالضحكة المجلجلة التي توقفت، أوقفت قلب بيروت
عن الخفقان، غاب الذي كان يجمع، بفنه وبعطائه الروحي، أشتات الوطن، فتفرقوا وتاهوا
في صحراء الضغينة والأحقاد.
قيل
فيه:
رحل فارس المسرح في صمت
كما عاش في صمت دون ضجيج إعلامي مصطنع، بعد أن حلّق في سماء الكوميديا قرابة أربعة عقود. لم
تنته السنون عن قناعاته، أو تجعله يتخلى عن قيمه ومعتقداته… لم يغرِه منصب على
العدول عن موقفه، ولم يثنه مجد عن الخط الذي رسمه لنفسه، حاملاً شعلته، ليضيء
"بقعة" لغيره. اعتبر مديحَ جمهوره، أفضل أنواع الحب لفنان ولد فقيراً،
عاش عملاًقا ورحل وحيداً!..
ولدت معه (سيمفونية
الوجع) ورددها معه الملايين:
"عطشانين يا بلدنا والمي بخمسه وستين
جوعانين يا بلدنا.. وما عنَّا رز ولا طحين طفرانين يا بلدنا والبنوكي مليانين لمين
منشكي محتارين"
فلا يعقل اختصار حياة
حافلة بالقيم والعطاء والإبداع في بضع كلمات، هو ملحمةٌ مسرحية في ديوان الحضارة،
مضيئة لن يطفئها الرحيل وستظل مماته على أجنحة العاصفة، الشوشوشية تواصل مسيرتها.
وسيبقى صمته صلاة لعشق
الوطن.
أعماله:
مسرحيًا: “شوشو بك في صوفر”، “مريض
الوهم”، “شوشو عريس”، “الدكتور شوشو”، “شوشو”، “شوشو والقطة”، “حيط الجيران”، “شوشو
والعصافير”، “الحق ع الطليان”، “صبر تحت الصفر”، “البخيل”، “محطة اللطافة”، “اللعب
على الحبلين”، “كفيار وعدس”، “فرقت نمرة”، “جوه وبره”، “فوق وتحت”، “وراء البرفان”،
“وصلت للتسعة وتسعين”، “حبل الكذب طويل”، “طربوش بالقاووش”، “آخ يا بلدنا”، “خيمة
كركوز” و”الدنيا دولاب”.
سينمائيًّا:
“شوشو والمليون”، “يا
سلام ع الحب”، “مغامرات السعادة”، “سلام بعد الموت”، “زمان يا حب”، “سيدتي الجميلة”
و”فندق السعادة”.
تلفزيونيًّا: “حلقات فكاهية”، “المشوار
الطويل”، “يا مدير” و”شارع العز”.
إذاعيًا: “اسكتشات فكاهية”، “شوشو
بوند” و”خلي بالك من شوشو”.
أحسنت في تذكيرنا بمن مجدوا لبناننا.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.