حلُمٌ ولا أجمل
ياسمينة العمر
الكاتب:
جنان شحادة
ماذا يمكن لعشرينية أن ترغب في تحقيق من أحلام؟
وما هي أبعد الأحلام التي يمكن لها أن تفكر فيها؟ سؤال قد تختلف إجاباته من شخص إلى
آخر..
منذ قرابة الشهر والنصف تقريبًا بلغت الثالثة والعشرين من العمر،
وبدأت أشعر أن مسيرتي نحو الألف ميل قد بدأت، وأنني قطعت مسافة صغيرة جدًا، لا شوطًا
فيما أحلم به.
أمنياتي كبيرة جدًا، وأغلب من يسمع بها يعجب بطموحي ويضحكه
أملي الكبير، بعضهم لا يأخذه دائمًا على محمل الجد، والبعض الآخر يقول أحسنت
وتقدمي.
فلطالما رغبت بأن أصبح مراسلة حربية، وحددت لأصدقائي،
ولبعض المقربين الطريقة التي سينعوني بها زملائي عندما أقضي في غارة للعدو الإسرائيلي
أو في قنصٍ مباشرٍ من الجماعات التكفيرية. فكرت أيضًا بنشر كتابٍ شعري، أطلق فيه للعلن
كتاباتي الأولى، وقصائدي المبتدئة. كما حلمت مرارًا وتكرارًا بتولي برنامج إعلامي
"يكسّر الدنيا"، أتناول فيه قضايا المجتمع بعين أبنائه، لا بعين سياسة
القناة أو مموّليها. ونظرت بشغفٍ إلى منصب وزير الإعلام، كما عيّنت مدير مكتبي
ومستشاريي منذ فترة. والمضحك في الأمر أن
عددًا من أقاربي ورفاقي يسألوني
دائما: "معاليكي شو رأيك بوضع البلد؟". كنت واثقة جدًا من أنني سأصل في
يومٍ ما... لكن إلى أين؟
لا أدري، ولكنني بدأت أعمل جاهدة على هذا الحلم.
شغفي للعمل في مجال الإعلام دفعني لأن أنخرط به في سن
السابعة عشرة، تطفّلت على بعض مقدمي البرامج ومعدّيها، في أكثر من وسيلة إعلامية،
خضعت للتدريب والمتابعة، عملت بعدها في عددٍ من المجلات والمواقع اﻻلكترونية،
والقنوات العربية والفضائية، "وبشو ما بيجي عبالكن" من مهام كالتقديم، والإعداد،
والمراسلة، والعلاقات العامة، والتنسيق، والتحرير وغيرها...
وصرت أملك خبرةً لا بأس بها في نظري، وجيدة في نظر من
حولي، ولا أتعمّد هنا الحديث عن نفسي، إنما أحلامي كبيرة وأنا لم أخط بعد خطواتي
الأولى على طريق الوصول إلى إحلامي الكثيرة.
تابعت دراستي الجامعية في اختصاص إدارة الأعمال، وأتابع
دراساتي العليا في كلّيتي التي لطالما أحبتت.
كنت أظن دائمًا أن طموحي لا يتعدى عملي ودراستي الجامعية
وأن أنهي حياتي بخير وعافية وأن أضمن حسن العاقبة.
لكنها... جاءت لتغيّر الكون برمته في نظري، ولتضعني أمام
استحقاقٍ أهم من كل ما كنت قد ظننت...
لم أكن أظنّ يومًا أنّ من شأن أي شيءٍ أو أحدٍ أن يضعني في
المقام الأول وأن يجعلني ملكةً بحق، في وقت لا يتعدى العام.
كانت زهراء... النطفة
التي حملتها في أحشائي لتسعة أشهر، جعلتني أصبح أمّا، وأدرك معها أن
الأمومة حلم، وما رغبت به ليس سوى أضغاث أحلام. أحلامٌ معها بات كلُّ شيء مختلفًا.
لم أجد يومًا صعوبة بالغةً في الكتابة أو التعبير، لكنّ
الحديث عنها هو من سابع المستحيلات بالنسبة لي، فلطالما حاولت أن أكتب فيها شيئًا
من الشعر أو النثر، لكنها كانت محاولات يائسة جدًا...لأكتفي بعدها بعبارة أحبك
طفلتي...
لضحكة زهراء وعيونها، لكلامها و براءتها، ولذكائها
وموهبتها، شأنٌ آخر...
لذاك الشعر البُنّي اللون، والذي تتحرك خصلاته الناعمة
عندما تهب نسمة الهواء، وتلمع عندما تشرق عليها الشمس، لأميرتي المتألقة بجمالها
وطلتها شأنٌ آخر...
طفلتي حلمي الأكبر، معها لم أعد أشعر أني بحاجة لشيءٍ كي أزدادَ
تألقًا، بل، بها ومعها وإلى جانبها أكبُرُ وأكبُر...
مع زهراء أشعر أن الدنيا بألف خير، وأني بإنجابها وتربيتها
حققت أعظم ما في الدنيا، وهو ما تشعر به كلّ أمٍ حتمًا، أو على الأقل معظمهنّ، مع
زهراء ضحكت لي الدنيا، وما زالت تضحك...
لا أخفي اهتمامي الشديد بعملي حاليًا، وتكريسي لوقتٍ جيدٍ
له، ومحاولتي أن أنجح في كل مهمةٍ أو وظيفة توكَل إلي، ولكني صرت على يقينٍ بأني
نجحت وتفوّقت أيضًا، في كل ساعةٍ أقضيها بجانبك يا أميرتي، أنعم فيها بصوتك وضحكتك
وطلتك، أنا أنجح، في كل ساعة أعلّمك فيها شيئًا جديدًا في هذه الحياة... أنا أنجح.
زهراء ...طفلة ذكية يكفي أن تلفظ أمامها كلمةً واحدة
لتعيدها مرارا... ويكفي أن تنظر إليها لتفهم هي ماذا تريد منها فعله أو التوقف عنه،
حساسة مرهفة، أنيقة حتى في لحظات نومها، يكفي أن تنظر لعينيها لتأخذ راحة الدنيا
والآخرة...
للعام الثاني على التوالي... أنا أم... وطفلتي زهراء أغلى ما
أملك... شعورٌ يصعب حقًا أن أختزله بكلمات، ولكن ما يسهل قوله اليوم هو: "زهراءُ
يابنتي... شكرًا لأنكِ جعلتِني أمًا...
فصرتِ ياسمينة عمري، ووردتي
التي لن تعرف اليباس"...
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.