غالبًا ما تكون بيوتنا مصدرًا للتلوّث
أخطاء غير ملحوظة
تطيح بمعطيات سلامة النفس والجسد
الكاتب: رولى يحفوفي
يقول الشاعر والأديب جبران خليل جبران:" إن بيتك هو
جسمك الكبير"، فهل حقٍّا بيت الإنسان ومنزله هو جزء من جسم الإنسان؟ وهل
حقًّا ينظر الإنسان إلى مكان معيشته ومحل عمله على أنها أجسام حيّة تأكل وتتنفّس
وقد تختنق وبعدها تمرض وعندها يمرض الإنسان.
لدى كل مناسلاخٌ قاتل يعيش معنا، يزحف تحت المخدة، يقتات
من نفس الصحن الذي منه ناكل... بل يشاركنا الهواء نفسه الذي به نحيا.
لا تأخذكم الظنون بعيدًا، فإنما أتحدّث عن سلاحٍ نتشارك
صنعه يوميًا، بعلمٍ أو بغير علم. هو "التلوث داخل المنزل".
نبدأ بتلوّث الهواء الذي نغذّيه بأصناف المواد
الكيميائية من المساحيق المنظفة والملوّثة أحيانًا في أنٍ معًا، إلى دخان السجائر
والنارجيلة التي قلّما يخلو منها بيت. إضافة إلى الفحم وما يصدره من سموم، ناهيك
عن ما يصدر من تسرّب للغاز من القوارير الأثريّة التي تم صنعها في القرن الماضي
دون أن يصار لإجراء أي تعديل أو تجديد لها.
وأيضًا وأيضًا ما نرشه بإرادتنا من أنواع المبيدات
الحشَرية داخل الغرف، وقد أصبح ثابت علميًا أن تلوّث الهواء داخل المنزل أكثر
تسميمًا بثلاثة أضعاف من الشوارع المليئة بالروائح والدخان الصادر من المصانع
والسيارت.
أشارت منظّمة الصحة العالمية في دراسة لها إلى أنّ 30%
من المباني في العالم هي في الحقيقة مبانٍ مريضة وهذه النسبة في ازدياد. هذه
المباني التي هي مريضة أو في طريقها إلى المرض بسبب رداءة بيئتها الداخلية تسبب
الكثير من الأمراض لساكنيها، وقد تتفاوت هذه الأمراض والتي أحصاها الخبراء في هذا
المجال بما يتجاوز الخمسين مرضًا، بين صداع خفيف وحساسيّة في العيون أو الحنجرة،
إلى أمراض خطرة مثل السرطان وتشوّهات خلقية في المواليد الجدد، وهناك مكان حتى
للأمراض النفسية مثل القلق والاكتئاب وغيرهما.
ماهي مصادر تلك الأمراض؟
هناك الكثير من الدراسات في العالم تشير إلى أن الهواء
الموجود داخل بيوتنا هو في الغالب أكثر تلوّثًا من الهواء في الخارج حتى وإن كنّا
نسكن في مدن تعاني درجات عالية من التلوّث، وقد تصل درجة تلوّث الهواء في الداخل
مقارنةً بالخارج إلى خمسة أو عشرة أضعاف. وتزداد خطورة هذا الوضع إذا أخذنا في
الحسبان طول مدة تعرّضنا لهذا الهواء الملوّث، فنحن في الداخل نقضي وقتًا أكثر مما
في الخارج، إذا كان الهواء في الداخل هو مكمن الخطر وموطن الداء، فهناك مصادر
رئيسيّة لهذا التلوّث:
المصدر الخارجي: كالغازات الضارة التي تنبعث من المصانع وعوادم السيارات. والتي تجد طريقها
إلى بيوتنا فتلوّث هواءنا في الداخل وتضر بصحة الإنسان.
الرطوبة وغاز الرادون المتواجد في التربة التي تستقرّ
عليها بيوتنا. وهو غاز مشعّ يوجد بصورة طبيعية في التربة وقد يوجد بنسب عالية في
مناطق دون أخرى.
مواد البناء والأثاث: هناك خمسة آلاف مركّب كيميائي يدخل في تصنيع الكثير من مواد البناء
المستخدمة في وقتنا الحاضر، وتشير البحوث والدراسات التي قامت بها منظمة حماية
البيئة في الولايات المتّحدة الأمريكية إلى أنها حددت ما يقارب 900 مركّب كيميائي
وعضوي في الهواء الموجود داخل المباني.
السجّاد الصناعي (الموكيت): إن خطورة السجاد في البيوت لها ثلاثة جوانب:
الأول عندما يكون السجاد حديث التركيب فإنّه مع المواد اللاصقة المستخدمة لتثبيته، يعتبر مصدرًا لانبعاثات الكثير من المركّبات العضوية المتطايرة وهي الأخرى ملوّثات ومسببات للأمراض كما ذكرنا.
والجانب الثاني في خطورة السجّاد هوقدرته على امتصاص كميّات كبيرة من الانبعاثات التي مصدرها مواد بناء أخرى مستخدمة في المنزل ومن ثم إعادتها إلى الهواء مرة أخرى بصورة تدريجية.
أما الجانب الثالث وربما هو الأخطر في السجاد فهو قدرته على احتضان الكثير من الأوساخ والغبار وبالتالي يجعل من نفسه بيئة ملائمة للكثير من البكتيريا والفطريات والتي يعني وجودها بحدّ ذاته المرض. وكلّما ازدادت الرطوبة داخل المنزل وتدنّت تهوئته تحوّلت بيوتنا إلى حضانات لهذه البكتيريا والفطريات وأحالت هواءنا إلى سموم نستنشقها لكثرة ما أشبعته بمواد ضارة. والتنظيف بنوعيه الجاف والرطب للسجاد قد لا يعني إلا المزيد من التلوّث، فالتنظيف الجاف هو استخدام منظفات كيميائية وما تبقّى من هذه المنظفّات في السجاد سيكون مصدرًا لكثير من الانبعاثات الضارة. وهناك شكوك بأن الكثير من هذه المنظّفات هي مواد مسرطنة. أما التنظيف الرطب وكما هو الجاف فقد ينفع في قتل الكثير من هذه البكتيريا والفطريات ولكن ما تبقى من رطوبة في السجاد وبعد التنظيف يعني أنّ الهدنة ستكون قصيرة وبعدها ستعود كل هذه البكتيريا والفطريات ولكن هذه المرة بكميّات أكبر وربما بأنواع أكثر وأخطر. وربطت العديد من الدراسات بين إصابة الأطفال بأمراض الحساسية وتنظيف السجاد.
العوازل: صحيح أن استخدام المواد العازلة لا يزال مطلبًا مشروعًا لأنّ في استخدامها
توفيرًا للكثير من مواردنا المحدودة وتجنبًّا للكثير من المخلّفات الضارة. ولما
كانت المواد العازلة هي مواد تدخل في تصنيعها مركبات تعتبر مصدرًا قويًّا لغازات
مضرّة فإن لها تأثيرات سلبية على صحتنا أو أنها مصدر لأجزاء مادية دقيقة تعلق في
الهواء، وباستنشاق الهواء تأخذ هذه الأجزاء طريقها إلى داخل أجسامنا مسببةً لنا
الكثير من الأمراض. من الممكن التقليل من هذه الآثار السلبية للعوازل على صحتنا
بشرط أن نحكم فصل هذه العوازل عن بيئتنا الداخلية وتبقى التهوئة الجيّدة مطلوبة
على الدوام.
نشاط الإنسان: صحيح أن الإنسان مصدر تلوّث ما دام في حركة ويأكل ويتنفّس، فكل هذه
الأشياء من أساسيّات الحياة ومن ضروريّات بقائه. وما دامت بيوتنا وبيئتها الداخلية
في تفاعل مع البيئة الأم فإنّ الطبيعة كفيلة بمعالجة هذا التلوّث بل هو جزء من
دورتها الطبيعية المتكاملة، ولكن عندما نريد أن نعزل بيئتنا الداخلية عن أصلها فلا
نريد للشمس أن تدخل ولا للهواء أن ينفذ، عندها نكون نحن من منع الخير عن نفسه.
والخلاصة أنه إذا كان البيت هو المكان والبيئة التي
صيّرها الإنسان ملجأ لراحة وسلامة بدنه وروحه وعقله، فهل يعقل أن نحيل هذا المكان
إلى مستودع فيه آلاف من المواد الكيميائية؟ صحيح أن الموضوع البيئي بات يشكّل
محورًا رئيسيًّا في قائمة اهتمامات العالم، ولكن كل المحاولات والتشريعات
واللقاءات كان مقصدها البيئة الكلّية وهي البيئة الخارجية. أما كيف يعيش الإنسان
90% من وقته فالأمر متروك لوعي الفرد وإدراكه لحجم المشكلة.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.