فنٌ رفيعٌ يرسم
قيمًا
شعبية
بين
التطوّر والمحافظة على التراث
الكاتب: مريم شعيب
هو الخامس في سلسلةِ
المزاداتِ العامة على القطع التراثية والأنتيكا، وقد تمّ بنجاحٍ لا يقل عن سابقيه،
من تلك المعارض التي أصبحت تنظم بشكلٍ شبه أسبوعيّ في هذا الصرح التراثي، ما دفعَ
بنا للتأكيد أنّ ذلك المزاد أو بالأحرى (المعرض) الذي بات يمثل نشاطًا وإن كان
تجاريًا خيريًا بل ثقافيًا أصيلاً، يعكس اهتمام الجمهور بالناحية التراثية
الثقافية الفنية (إلى جانب قناعتهم بالمشاركة دعمًا لأيتام جمعية المبرات الخيرية
الراعية لذلك النشاط)، ما يمثّل مواكبةً دائمةً للتطوّر الثقافي في مجالي التراث
والفن حيث تعدّد الفعاليات المتنوعة على نحو متنامٍ، فضلاً عن أن تطوّر ثقافة
التراث لا تعني أبدًا بصم الروابط بالماضي، فالإنسان تاريخ متصل، ويثبت اهتمام
اللبناني هذا أن ثمّة منهجًا وسطًا يجمع الاهتمام بالجديد والقديم بصورة لا تناقض
فيها ولا اضطراب، ولعل نجاح هذه المزادات هو خير دليل على اهتمام العرب بعامةٍ
واللبنانيين بخاصةٍ، بتطويرِ فنونِهم التقليدية بإعادةِ صياغتِها دونَ أن تفقد
رونقها وأصالتها، وهذا ما يؤكّد عدم التضحية بالتراث تحت عنوان التطوّر، وعدم
التجمّد تحت عنوان المحافظة على التراث.
وإذا كان ارتباط أي
ثقافة بعصرها لا ينفي احتواءها على قيم خالدة على مدى العصور، فإنّ ارتباطها
بمجتمعها لا ينفي احتواءها على قيمٍ عالميةٍ وإنسانيةٍ تخاطب الإنسان في كل مكان.
إذ بقدر ما تتعمّق جذورُ الثقافةِ والتراثِ في مجتمعِنا، تتأتى قدرتُها على صدقِ
تمثيلِ الإنسان بصفةٍ عامةٍ وفي كلّ مكان.
ومن هنا يتجلّى تثوير
الواقع حيث يمتليء الوعي المحرّك لفعل الإبداع الذاتي أو إبداع الغير برؤيته
الضدية التي تسعى إلى تغييره جذريًا إلى الأفضل، وحيث تتجسد الرؤية الضدية بتقنياتٍ
فاعلة. فالمعاصرة هنا تكون الوجه الآخر من الأصالة، بل هي اللازمة الأولى من
لوازمها، فلا معنى للأصالة بعيدًا عن الواقع الخلاّق الذي تبدأ منه، وفي مواجهته،
كي تسهم في تحويله إلى واقع أنضر وأجمل. والغوص العميق لحب التراث في علاقات
اللحظة التي تتعيّن بها الحدود الزمنية للواقع الذي تواجهه هو نقطة البدء والعودة
للعملية الإبداعية. فالأصالة تبدأ من زمنها النوعي ومكانها المخصوص ولا تغادرهما
إلى الماضي أو المستقبل، إلاّ لتعود إليهما بما يزيدهما كشفًا، وبما يسهم في
رؤيتهما في ضوء جديد يؤكّد أن كل استعادة للماضي هي استعادة للحاضر بصورة مرايا موازية
ينعكس فيها واقع اللحظة الزمنية المتعينة لحاضر التراث.
واختتِم المزاد بشكرِ
القيّمين عليه والمتكرّر، للحاضرين والمشجّعين من أصدقاء، مشترين، وإعلاميين على
مساهمتهم ومشاركتهم الفاعلة ودورهم في إنجاح هذه النشاطات. حيث أعلن عن المزاد
السادس على مشارف الأسبوع المقبل والذي سيتم بالتعاون وتحت رعاية بعض الخيرين
الهادفين منه، ريع أرباحه لعوائل شهداء وأيتام حرب العراق.
شكرا لحبك لهذا التراث ولطريقة سردك وتعبيرك الرائع عنه
وفقك الله استاذه مريم على دوام الابداع.
والموقع ليس مسؤولا عن ذلك.